بقلم / محمد سعد
في مشهدٍ لا يمكن أن يتخيله عقلٌ بشري، أقدم طفل على جريمةٍ تفوق الخيال، حين قتل صديقه بدمٍ بارد، ثم قطع جسده بمنشار، ولم يكتفِ بذلك، بل طهى جزءًا من لحمه وأكله!
جريمةٌ تتجاوز حدود الفعل الإجرامي لتغوص في أعماق النفس البشرية المظلمة، وتضع المجتمع بأسره أمام سؤالٍ مرعب:
هل ما زال هذا قاتلًا «طفلًا» كما يقول القانون؟
القانون يرى فيه حدثًا، ويقرر إيداعه دار رعاية الأحداث، لأنه لم يبلغ السن القانونية للمحاسبة كبالغ.
لكن الحقيقة أن هذا الكائن الصغير في عمره، الكبير في جرمه، قد تجاوز الطفولة بمراحل؛ فمن يُخطط ويُنفذ بهذه القسوة لا يمكن أن يُعدّ طفلًا.
إنه مجرمٌ مكتمل الوعي، فاقد الإحساس، يعكس خللًا أخلاقيًا وتربويًا خطيرًا.
لقد آن الأوان لمراجعة مفهوم «سن الطفولة» في القوانين، فالبلوغ العقلي والشرعي لا يُقاس بالأعمار، بل بالإدراك والتمييز.
ففي ديننا الحنيف، سن الرشد مرتبط بالبلوغ، وهو يختلف من إنسانٍ إلى آخر؛ فقد يبلغ الطفل في العاشرة، وقد يبقى آخر جاهلًا بما يفعل حتى بعد العشرين.
غير أن الخطر الأكبر لا يكمن في هذا القاتل وحده، بل في البيئة التي أنجبته.
الهاتف المحمول — هذا الشيطان الصامت — صار الرفيق الدائم للأبناء، يربيهم ويفسدهم في آنٍ واحد.
من خلاله ينفذون إلى عوالم «الدارك ويب» والمواقع الإباحية والمراهنات، فيغتسل وعيهم بالشر، وتتحول البراءة إلى وحشية.
تخلّى كثير من الآباء عن دورهم، وغاب الضبط الأسري، فأصبح الطفل يتعلم من الشاشة لا من البيت، ويقتدي بالمؤثرين لا بالمربين، حتى خرج لنا جيلٌ ممسوخ، لا يعرف من الإنسانية سوى ملامحها.
إن هذه الجريمة لم تقتل طفلًا واحدًا فقط، بل قتلت جزءًا من ضمير المجتمع.
وما لم نتحرك اليوم لإصلاح منظومة التربية، ومراجعة قوانين الرشد والمسؤولية، فسنستيقظ غدًا على جيلٍ لا يعرف الحلال من الحرام، ولا يفرّق بين الإنسان والوحش
