العنف ليس مجرد لحظة غضب عابرة، ولا رد فعل يمكن تبريره بسبب الضغوط، بل هو قرار داخلي سامٍ، يختار فيه الإنسان أن يحوّل نفسه إلى أداة للهدم والأذى. هو اعتراف واضح بالعجز عن مواجهة صعوبات الحياة بالحكمة والكلام، فيلجأ الإنسان إلى اللغة البدائية، لغة القوة الغاشمة، التي قد تكون جسدية أو كلامية أو نفسية، لكنها دائمًا مدمرة.
أشكال العنف كثيرة وجميعها بشعة. يبدأ من الصوت العالي في البيت الذي يهز راحة البال، والإهانة التي تجرح كرامة الإنسان في الشارع أو العمل، ويمتد إلى الضرب المبرح داخل جدران البيت الذي من المفترض أن يكون مكان أمان، وينتهي بالصراعات الدموية التي تسحق الشعوب وتخرب البلاد تحت مسميات كثيرة. في كل هذه الصور، العنف هو نفس الخيط الأسود، خيط من السم ينتقل من الفرد إلى الأسرة إلى المجتمع كله.
وأخطر أنواع العنف هو الذي يُوجَّه إلى الأشخاص غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم: الطفل الذي يُضرب باسم التربية، والمرأة التي تُهان باسم “الحق”، والضعيف الذي يُظلم باسم القوة. هذا النوع لا يكسر العظام فقط، بل يكسر الروح ويقتل الثقة بالنفس وبالناس، ويخلق أجيالاً تحمل جروحًا عميقة قد تدفعهم فيما بعد إلى ممارسة العنف كرد فعل طبيعي على ما عاشوه.
الأسرة هي الحضن الأول، والمدرسة هي المصنع الثاني لشخصية الإنسان. إذا كانت العلاقات الأسرية مبنية على الاحترام والحوار والفهم، نُخرِج أشخاصًا متوازنين يعرفون كيف يحلون مشاكلهم بعقلانية، أما إذا كان القمع والسيطرة والصوت العالي هم السائدون، نزرع بذرة العنف في قلوب أبنائنا. وكذلك المدرسة، عندما تتنازل عن دورها التربوي الصالح.
