نظّمت لجنة الترجمة باتحاد كتاب مصر برئاسة الدكتور علاء عبد الهادي ندوة فكرية بعنوان: “ماهية الترجمة.. ملامح ثقافية وأدبية مقارنة”، قدّمها الدكتور يحيى طه حسنين، أستاذ اللغة الفرنسية وعميد كليتي الألسن بجامعتي المنيا وكفر الشيخ، والمستشار الثقافي السابق لمصر في المغرب، وذلك بمقر الاتحاد بالزمالك، بحضور عدد من المثقفين والمترجمين والمهتمين بقضايا الفكر والترجمة.
افتتح الندوة الدكتور أحمد الحسيسي، رئيس لجنة الترجمة، مرحبًا بالضيوف ومتحدثًا عن السيرة الذاتية للدكتور يحيى حسنين، مشيدًا بمسيرته الأكاديمية والثقافية الثرية.
في كلمته، أكد الدكتور يحيى حسنين على أن الترجمة، والثقافة، والأدب تُشكّل ثلاثية متداخلة ومتلازمة، موضحًا أن الترجمة ليست مجرد نقل لغوي، بل فعل معرفي وثقافي وإنساني يُسهم في بناء الوعي ونقل التجارب بين الشعوب. وأضاف أن الترجمة باتت اليوم أكثر أهمية في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، الذي جعل العالم قرية صغيرة، وهو ما أشار إليه الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو بقوله: “إن لغة أوروبا اليوم هي الترجمة.”
واستعرض الدكتور حسنين أبعاد فعل الترجمة من منظور جديد، إذ اعتبرها انتقالًا ليس فقط من نص إلى آخر، بل من إطار سيميائي إلى آخر، ومن الحسي إلى المادي، بما يساعد القارئ أو المشاهد على بناء المعنى وفهم أنظمة التعبير المختلفة، وهو ما يجعل من الترجمة فنًا مركبًا وليس مجرد تقنية لغوية.
وقدّم نماذج شعرية تُجسد هذا التداخل، مثل أعمال الشاعر الفرنسي مالارميه التي عبّرت عن تجربة فلسفية وشخصية وجودية، وقارنها بقصيدة “أنا لاعب النرد” للشاعر الفلسطيني محمود درويش، مرورًا برؤية جبران خليل جبران الصوفية في قصيدة “المواكب”، مؤكدًا أن الترجمة تتعامل مع نصوص تحمل أبعادًا صوتية وثقافية وروحية لا تُنقل حرفيًا، كما هو الحال مع رمزية “الكروان” في رواية طه حسين، التي لا تعادلها مفردة مقابلة في اللغات الأخرى بنفس الثقل الثقافي.
واختتم الدكتور حسنين حديثه بالتأكيد على أن الترجمة هي عملية إبداعية تُحوّل الكلمة إلى موسيقى، وتمزج بين الحواس والمعاني في توليفة فنية راقية.
في نهاية اللقاء، فُتح باب النقاش أمام الحضور، الذين قدّموا مداخلات ثرية عمّقت أبعاد الندوة، وفي ختام الفعالية، سلّم الدكتور أحمد الحسيسي درع شهادة تقدير باسم اتحاد كتاب مصر للدكتور يحيى طه حسنين، تكريمًا لمساهمته الفكرية المتميزة.
